
الساحر الذي سكن قلوب الجمهور
في مدينة الإسكندرية، وتحديدًا في حي الورديان الشعبي، وُلد الفنان محمود عبد العزيز يوم 4 يونيو 1946، ليبدأ من هناك رحلة لم تكن عادية في عالم الفن. شاب سكندري بسيط، أحب البحر، وعشق الحياة، ولم يتوقع أحد أن يتحول يومًا إلى واحد من أهم نجوم السينما والدراما في العالم العربي.
البدايات: العلم أولًا… ثم الفن
رغم ميوله الفنية، درس محمود عبد العزيز في كلية الزراعة بجامعة الإسكندرية، وهناك كانت البداية الحقيقية، حيث شارك في المسرح الجامعي. موهبته لفتت الأنظار سريعًا، وبعد تخرجه اتجه إلى التمثيل، وكانت أولى خطواته التلفزيونية في مسلسل “الدوامة” عام 1973.
السينما تصنع “الساحر”
انطلق بقوة في السينما في منتصف السبعينات، وبدأ يلفت الأنظار في أدوار الشاب الرومانسي الهادئ. لكن لم يكن هذا كافيًا لطموحه، فتطور أداؤه بسرعة، وبدأ يتنوع في اختياراته، حتى أصبح من أبرز أبطال الشاشة الفضية.
وفي الثمانينيات، صنع تاريخه الحقيقي، بأفلام أصبحت علامات في تاريخ السينما المصرية مثل:
“الكيف” (1985)
“العار” (1982)
“جري الوحوش” (1987)
“البريء”
في تلك المرحلة، استطاع أن يدمج بين الأداء الطبيعي والعُمق النفسي، حتى لُقِّب عن جدارة بـ”الساحر”، وهو اللقب الذي التصق به بعد فيلمه الشهير “الساحر” عام 2001.
رأفت الهجان: التجلي الأكبر
رغم نجاحاته السينمائية، كان مسلسله “رأفت الهجان” هو العمل الذي رسّخ صورته في وجدان كل بيت مصري وعربي. بثلاثة أجزاء، حكى قصة جاسوس مصري داخل إسرائيل، وقدم محمود عبد العزيز أداءً عبقريًا مزج فيه بين الوطنية والإنسانية والذكاء الحاد. هذا المسلسل لم يكن مجرد عمل درامي، بل ملحمة قومية أثّرت في وجدان أجيال كاملة.
التنوع والاختيارات الذكية
لم يكن فنانًا نمطيًا. كان يعرف كيف يختار متى يصمت ومتى يعود. حتى في سنواته الأخيرة، اختار بعناية ظهوره، فقدم أعمالًا مثل:
“باب الخلق”
“جبل الحلال”
“رأس الغول”
ليؤكد أنه فنان لا ينضب، وأن الموهبة الحقيقية لا يبهتها الزمن.
الرحيل
في أكتوبر 2016، ودّع محمود عبد العزيز الحياة بعد صراع قصير مع المرض، لكن بقيت صورته في عيون الناس، وصوته، وضحكته، ونظرته، وأدواره. لم يكن نجمًا فقط، بل كان مدرسة تمثيل متفردة، توازن بين العفوية والاحتراف.
الأثر والإرث
ما يميّز محمود عبد العزيز عن كثيرين، هو أنه لم يكن بحاجة للضجيج كي يُسمع صوته. ترك بصمته في قلوب الناس بصدق أدائه، وعمق اختياراته، وظل حتى بعد رحيله مثالًا للفنان المحترم، الذي احترم فنه وجمهوره.